نرى كثيرا من الأحيان أن هناك أناسا يعملون ليل نهار ويحصلون على ثمرة جهدهم بعدة أنماط. إما بشهادة يحصلونها أو بمكسب مادي هنا أوهناك. ويعتبرون أن هذه المكسب ماهي إلا تناسبا طرديا مع ماقدموه من سعي دؤوب طيلة سنوات مضت. بالمقابل هناك من يمضي الساعات الطوال ويتقن أكثر من صنعة ولكن في النهاية لايحصل من الرزق إلا القليل. ينطبق عليهم المثل الشعبي السوري القائل: ” مسبع الكارات وقبل البارات”. أي يتقن سبع مهن ورزقه قليل. كما أن هناك صنفا ثالثا يعمل عملا بسيطا لايكاد يذكر ورزقه وفير. هذه المفارقات الثلاث دعتني لأن أطلق على المقال هذا العنوان الرنان: جدلية الرزق المكتوب والسعي الدؤوب.
المفارقات أعلاه تستدعي منا تأملات وأسئلة عن أهمية السعي وراء الرزق في حياتنا ومدى التناسب بين السعي الدؤوب والرزق المكتوب. هل فعلا كثرة الرزق تتناسب مع كثرة العمل والسعي؟ أم أنا الرزق مكتوب مسبقا و لايحتاج أصلا للسعي؟ هل الحظ له دور في الرزق؟ أما كما يقول الشاعر اللبناني إلياس فرحات أغرّبُ خلفَ الرّزقِ وهوَ مُشَرِّقٌ وأُقسمُ لو شرَّقْتُ راح يغرّبُ
سأذكر في هذا المقال عدة أمثلة واقعية عايشتها بنفسي أو سمعتها تدلل على ماكتبت آنفا ويمكنها أن تجيب على جزء من الأسئلة التي طرحتها أعلاه.
ضربة حظ
مثالان واقعيان يثبتان بشكل لايقطع الشك أن الرزق لايتناسب دائما مع كثرة السعي. هذان المثالان يتحدثان عن سلسلة كارفور الشهيرة وشركة أمازون. في حلب ٢٠٠٧ عندما حاول كارفور دخول السوق السورية اصطدم بعلامة تجارية مسجلة بنفس الاسم لمحل تجاري مغمور. اضطرت الشركة التفاوض مع الشخص الذي يحمل نفس العلامة التجارية وسمعت أن الشخص طلب أرقاما خيالية لبيع العلامة لصالح كارفور. اليوم العملية تتكرر مع شركة أمازون الأميركية التي قررت دخول السوق البلجيكية في ٢٢ سبتمبر القادم. في الحقيقية هناك شركة تأمين بلجيكية تحمل نفس الاسم ولديها موقع بنفس الرابط التي تدخل به عادة أمازون الدول التي تبيع فيها منتجاتها. إذا تصفحت موقع شركة التأمين هذه ستعلم مدى بساطتها حيث أن موقعها ليس لديه لوغو رابط خاص بالموقع. تخيل المبلغ الذي ستتطلبه هذه الشركة حتى تتخلى عن رابط موقعها لأمازون. ملايين الدولارات مقابل عنوان أو رابط موقع دون جهد أو عمل أو سعي دؤوب. كما يمكنك أن تتصيد هذه الفرص من خلال دراسة بسيطة للشركات الناشئة وتشتري رابط باسمها في عدة بلدان وتحتفظ به وعند قدوم الفرصة المزعومة بتقتنصها.
يمكنك أيضا قراءة مقالنا الخاص بتطبيق رخصة السياقة الخاص بفرنسا والمسمى ضربة كود
رضى بالقدر أو الرزق المكتوب
عندما كنت في سوريا كنت أسكن في مدينة الباب القريبة من مدينة حلب،٣٥كم شمالا، وكنت أستقل الميكروباصات (١١- أو ١٤ راكب) للتنقل بين هاتين المدينتين. فمثلا عندما يعود الميكروباص من مدينة حلب يتجاوز كل المدينة ويقوم بتزيل الركاب حتى يصل الموقف النهائي في أقصى المدينة. ثم للذهاب إلى حلب يقوم بالانطلاق من هذا الموقف مع بعض الركاب ثم يجمع البقية على طول الطريق الداخلية لمدينة الباب. عادة أغلب السائقين يعودون لنقطة الانطلاق لعدم اكتمال عدد الركاب في الميكروباص. أسف على هذه المقدمة الطويلة ولكنها ضرورية كي تفهم تكملة القصة.
ركبت مع سائق غادر نقطة الانطلاق ب ٤ ركاب على الطريق الداخلية لم يرزق إلا براكبين فاصبح لديه في الميكروباص ٦ ركاب فقط. هنا وصل إلى نقطة في نهاية المدينة ولديه خياران إما أن يتابع باتجاه حلب ب ٦ ركاب فقط أو أن يعود أدراجه لنقطة الانطلاق لإكمال العدد. تابع السائق طريقه باتجاه مدينة حلب فتفاجئ الركاب وطلبوا منه بكل رحابة صدر العودة لنقطة البداية لأن عدد الركاب الحالي لا يتناسب مع مصروف المركبة. أجاب السائقة بجملة صعقتني: أنا مكلف بقيادة المركبة والله مكلف بتقسيم الأرزاق. لم نفهم العبارة في البداية لكن بعد خروجنا من التجمعات العمرانية في مدينة الباب حيث لايوجد سكن أصلا تفاجئنا بمجموعة من ٥ نساء أشاروا للمركبة بالتوقف. التفت السائق إلينا وقال لنا بكل ثقة وثبات ألم أقل لكم.
هنا انتظر منكم إجابة على الأسئلة التي طرحتها في البداية. يمكنك الإدلاء برأيك في التعليقات أسفل المقال. هل جدلية الرزق المكتوب والسعي الدؤوب هي نسبة وتناسب بالنسبة لك أم أنه أمر مفروغ أن الرزق مقدر ولاتحتاج لكثير من السعي؟